صحيفة عرب فوتو ترحب بكم

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

الخميس 09 شوال 1445هجري

18 نيسان / أبريل 2024ميلادي

07:31:33 صباحاًمكة المكرمة

الأقسام

قراءة الصورة الفوتوغرافية تحليل سميوطيقي /د.عبدالمنعم الحسني

تاريخ الاضافة:الأربعاء 30 كانون أول / ديسمبر 2015 03:26 مساءً عدد الزيارات:9871
قراءة الصورة الفوتوغرافية تحليل سميوطيقي /د.عبدالمنعم الحسني

قراءة الصورة الفوتوغرافية تحليل سميوطيقي
الدكتورعبدالمنعم الحسني * 

تحليل الرسالة المصورة يحتاج الى الغوص في أعماق تلك الرسالة لفهم معانيها فهما واعيا في إطارها وفي حدود المجتمع الذي خرجت منه أو عبرت عنه. يعتمد فهم معاني الرسائل المصورة على فهم العلاقة بين <<الأشياء>>, كما هي في الواقع (الناس, الموضوعات, الأحداث) وعلى نظام الاشارات (signs) الذي يجعل هذه الرسائل البصرية لها معان مفهومة .(18 :1997 ,Hall) وكلما اشتركت مجموعة بشرية في نظام إشاري واحد(codes), كلما اقتربت هذه المجموعة من فهم الرسالة المصورة فهما مشتركا (39 :1990 ,Fiske).

تهدف هذه الورقة الى تقديم تمهيد نظري وتحليل نقدي عن سميوطيقا الصورة الفوتوغرافية; أو كيف يمكن قراءة الصورة الفوتوغرافية قراءة سميوطيقية. تبدأ الورقة بتعريف علم السميوطيقا (semiotics) او علم العلامات او الإشارات. كما تناقش الورقة ماهية العلامات وعناصرها, والعلامات اللغوية والبصرية, وتصنيفات العلامات والرموز وعلاقة كل ذلك بثقافة المجتمعات.

السميوطيقا (أو علم الإشارات):

يرجع أصل كلمة سميوطيقا (semiotics) او سميولوجيا semiology(1) من الكلمة الاغريقية سيميون (semiotics) وتعني اشارة أو علامة (sign) وبالتالي فان السميوطيقا تعني علم الاشارات أو العلم الذي يقوم بتحليل المعاني عن طريق الاشارات (Bignell, 1997:1) يمتد جذور هذا العلم الى علماء الاغريق والفلاسفة العرب الذين كانت لهم اسهاماتهم الكبيرة في هذا الجانب (انظر: قاسم, 1986: 23). الا أن السميوطيقا الحديثة كعلم منظم له قواعده وأصوله العلمية يرجع الى باحثين أساسيين وهما: اللغوي السويسري فريناند دي سوسيير (Fredinand de Saussure) والفيلسوف الأمريكي تشارلز بييرز . (Charles Pierce)

فريناند دي سوسيير (Fredinand de Sausussre)

دي سوسيير المنطلق من خلفية لغوية يركز بصورة أكبر على الحراك اللغوي للاشارة وعلاقة ذلك بالمجتمع. هناك عنصران أساسيان للاشارة عند دي سوسيير: الدال (signifier) والمدلول . (signifier) الدال هو العنصر الطبيعي (مثل الكلمة, الصورة, الصوت), بينما المدلول هو المفهوم الذهني للاشارة وما ترمز اليه وهو معروف لكل من يشترك بلغة أو ثقافة واحدة (انظر شكل: 1).

فعندما تشاهد كلمة بقرة مكتوبة على ورقة فانك امام مجموعة من الأحرف <<ب>> و <<ق>> و <<ر>> و <<ة>>. هذه الأحرف هي الدال عند سوسيير وهي عندما تجتمع بهذا الشكل تكون بمثابة الناقل الذي يستدعي المدلول أو المفهوم الذهني للبقرة كما هو في أذهاننا. لكن عندما يقول سائح انجليزي بلغته لفلاح عربي لايتقنها:

(Feed your cow well) فان النتيجة هي فقدان الاتصال بين هذين الشخصين لعدم معرفة الثاني بلغة الأول. فمن الضروري لأن تصل الاشارة واضحة المعاني من وجود لغة مشتركة أو نظام اشاري واحد. لذلك فان الاشارات اللغوية لايمكن أن تعمل منفصلة ولكن لابد من وجود أرضية مشتركة كاللغة والثقافة المشتركة لاضفاء المعني لهذه الاشارة.

ومع أهمية اللغة كونها نتاجا انسانيا اشاريا هاما -حسب دي سوسيير-, الا أن هناك أنواعا أخرى من الاشارات. كما أن هناك مجالات عديدة تفرعت من علم السميوطيقا ومازالت في مهدها النظري والتي هي بحاجة الى جهود علمية كبيرة للتأسيس. من هذه المجالات سميوطيقا السينما, والصوتيات, و سميوطيقا الشم والتذوق وسميوطيقا الصورة الذي نهتم به في دراستنا هذه بشيء من التفصيل.

تشارلز بييرز ) (Charles Pierce)

بييرز (1931-1958) يستخدم شكل ثلاثي الأضلاع ليعرف العلاقة بين الاشارة و الموضوع والمفسرة. الاشارة هي شيء لايمكن أن يشير الى نفسه وانما الى شيء آخر وهو الموضوع. وهذه الاشارة يمكن فهمها عن طريق شخص يملك خبرة ليفسر تلك الاشارة وهذه هي المفسرة (انظر شكل: 2).



تفسير كلمة جامعة على سبيل المثال هي نتيجة لخبرات مستخدم هذه الكلمة; فهي ليست مدرسة ابتدائية أو مستشفى. لافرق في التفسير بين المتلقي والناقل فالتفسير هو عملية ذهنية لمستخدم الاشارة سواء كان هذا المستخدم متحدثا او مستمعا, كاتبا او قارئا, مصورا او مشاهدا للصورة )42 :1990 ,(Fiske, 1990:42).

بييرز , من هذا المنطلق, يهتم بالخبرة الانسانية لفهم الاشارة. فهو يهتم أكثر بالمعنى الذي تنتجه الاشارة من خلال خبرات الافراد ومعرفتهم بالموضوعات.

فئات الإشارة:

هناك ثلاث فئات أساسية للاشارة: الايقونة (او التمثال) و الدليل أو المؤشر و الرمز . (Branston, 1996: 11) تحدد الايقونة العلاقة بين الدال والمدلول. الصور الفوتوغرافية يمكن ان تعد مثالا بسيطا على الفئة الاولى للاشارة (الايقونة); بمعنى أن الشيء (طفل, حيوان, شجرة...الخ) تكون مثل ماهي في الواقع. بينما العلاقة بين الدال والمدلول في المؤشر هي علاقة سببية. فالدخان على سبيل المثال يشير الى وجود نار; ذلك أن النار عادة تسبب الدخان . (Celler, 1981: 134) لكن لايوجد علاقة مباشرة أو سببية بين الاشارة والموضوع في الفئة الثالثة (الرمز). فالعلاقة هنا تكون اعتباطية او اقناعية. فالمصافحة باليد تشير الى التحية. تنبغي الاشارة هنا الى انه لايوجد فصل تام بين فئات الاشارة الثلاث; فهي قد تكون ايقونية تمثالية ومؤشرا او رمزية.

فهم عناصر الاشارة ومكوناتها يستند الى قاعدة مجتمعية تاريخية وطريقة تفسير واستخدام هذه الاشارة لدى مجموعة بشرية معينة لانتاج معان ايحائية معينة .(Nicholas, 1994 :37) فقبل أكثر من ثلاثين عاما على سبيل المثال كانت اشارة <<مشعل التعليم>> تستعمل كإشارة مرورية تحذر السائق بتخفيف السرعة لأنه يسوق بقرب مدرسة. المعنى الاقناعي الذي يشير الى مكان التعليم أصبح بعد فترة غريب وغير مقنع لدى الكثيرين فتم استبداله الى اشارة <<طفلان يعبران الطريق>> .(Branston, 1996 :11-12)

نظام الشفرات : (Codes)

الشفرة هي عبارة عن نظام يجتمع فيه عدد من الاشارات يتم الاتفاق عليها بين أعضاء مجموعة بشرية معينة تستخدم تلك الشفرة وتضفي عليها معانيها التي نتجت عبر الخبرات السابقة الثقافية والاجتماعية لمستخدميها .(Fiske, 1990: 64; O Sulvian, 1994: 85) وهناك خمس خصائص أساسية للشفرات يمكن تلخيصها فيما يلي:

1. هناك بعد نموذجي(paradigimatic) وبعد تركيبي (syntagmatic) في الشفرات. المفهوم الأول عبارة عن وحدة واحدة أو مجموعة من الوحدات من بين عدة يمكن الاختيار من بينها. المبادىء التي تتألف منها هذه الوحدات يطلق عليها البعد التركيبي.

2. تشير كل الشفرات الى معان ; فهي عبارة عن مجموعة من الاشارات التي تشير الى شيء معين وليس اليها.

3. تعتمد كل الشفرات على اتفاق مسبق بين مستخدميها الذين يشتركون في خلفيات ثقافية واحدة.

4. تقدم كل الشفرات عمليات اتصالية وهويات اجتماعية معينة.

5. تنقل كل الشفرات عبر وسائل اتصال جماهيرية أو اتصالات مباشرة.

بعد استعراضنا لمفهوم السميوطيقا وعناصر هذا العلم من اشارات وشفرات عبر رواده وجذوره التاريخية سنركز اهتمامنا في السطور القادمة على الاشارة البصرية المصورة أكثر من المكتوبة أو المسموعة وذلك لمحدودية الورقة وتركيزها على هذا الجانب.

الرسالة المصورة:

اشارات المرور الضوئية, الفساتين, الألوان, الصور الفوتوغرافية, الرسوم, المنحوتات...كل هذه عناصر تحتوي العديد من الاشارات البصرية بداخلها.

لايمكن الحديث عن الاشارات البصرية دون التطرق الى الجهود الكبيرة التي قدمها رولان بارث (Roland Barthes) في مجال السميوطيقا بشكل عام وسميوطيقا الصورة بشكل خاص. يتضح ذلك في مقاله <<الرساله المصورة>> (Photraghic Message) الذي نشر في كتابه الشهير: Image-Music-Text )1977:15-31).

يرى رولان بارث أن الصورة الفوتوغرافية كرسالة تتكون من ثلاثة عناصر أساسية: مصدر الرسالة, القناة التي تمر عبرها الرسالة و المتلقي. يمثل جانب المصدر المصورون الفوتوغرافيون أو من يختار الصور ويضع عناوينها أو التعليقات المصاحبة لها. أما القناة فهي الوسيلة الاعلامية سواء كانت مطبوعة أو مرئية او اليكترونية التي يتم عن طريقها نقل هذه الرسالة المصورة الى المتلقي (انظر شكل:4).

الإشارية والإيحائية في الصورة الفوتوغرافية

ويرى رولان بارث أن هناك مرحلتين أساسيتين لقراءة الصورة الفوتوغرافية وهي المعنى الاشاري (Denotation meaning) والمعنى الايحائي . (Connotation meaning) المعنى الاشاري هو المرحلة الأولى من الرسالة وفيها يتم وصف العلاقة في الاشارة بين الدال وهو المفهوم الطبيعي للاشارة ومثالها الصورة الفوتوغرافية والمدلول وهو المفهوم الذهني لفحوى الرسالة ومثالها ما يعنيه موضوع الصورة بالنسبة للمشاهد. فالمعنى الاشاري للرسالة المصورة هو ماتلتقطه آلة التصوير للحدث; فهي عملية ميكانيكية بحتة. يوجد معنى واحد واضح ومحدد ومباشر هنا; فآلة التصوير تسجل الحدث كما هو أو كما تراه العين المجردة في الواقع. ولايمكن لأي شيء آخر-حتى الرسم- أن ينافس التصوير الفوتوغرافي في تسجيله للواقع .(Barthes, 1977: 44-45) يمكن القول اذن أن الرسالة الاشارية للصورة الفوتوغرافية هي الصورة ذاتها. تلك الصورة الواضحة التفسير والتي لايمكن الاختلاف عليها. لكن اذا تدخل الانسان عبر استخدامه لآلة التصوير وتفسيره للصورة سيكون للرسالة معنى آخر وهو المعنى الايحائي.

اذا كانت الاشارية في الرسالة المصورة قد عرفت على أنها العلاقة بين الاشارة والموضوع, فان الايحائية هي المرحلة الثانية من الرسالة المصورة وتعني العلاقة بين الاشارة والموضوع والشخص المفسر .(ibid :20) نجد هنا عنصرا ثالثا قد تمت اضافته وهو الانسان أو الشخص الذي يتدخل في المعنى الايحائي للصورة الفوتوغرافية عن طريق اختياره لتقنيات المعالجة أو التأطير أو طريقة العرض أو الاخراج النهائي للصورة.

لفهم المعنى الايحائي للرسالة المصورة لابد من معرفة الواقع الثقافي والمعرفة الاجتماعية اللذين يفسران الاختلاف في النظر الى الرسالة المصورة بين مجتمع واخر. فقراءة أي صورة فوتوغرافية تعتمد على تاريخ ذلك المجتمع وكيف يستخدم الناس هذه الاشارات ضمن سياقات محددة لانتاج المعاني الايحائية. فساعة البيج بن (Big Ben) لدى البريطانيين تعني مباشرة رمز البرلمان والديمقراطية بينما هو مكان سياحي وطراز معماري جميل لغيرهم من ملايين السياح. وصورة البقرة في بعض أجزاء الهند تمثل قيمة هامة دينية وأسطورية, فهي لدى عدد من القبائل الهندية مقدسة, بينما لا تعني شيئا أكثر من الغذاء (الحليب واللحم) أو اشارة الى الريف في مجتمعات أخرى مثل بريطانيا ونيوزلندا. تعني البقرة في مفهومها الذهني للعمانيين مثلا دلالة على الغباء أو عدم المفهومية (انظر شكل:6).

هناك ستة عناصر أساسية -حسب بارث (1977) تؤثر في انتاج وتعميق المعاني الايحائية في الصورة الفوتوغرافية بشكل عام وهي: التأثيرات الخادعة (effects trick) ووضعية الصورة (Pose) والموضوع (object) وجاذبية الموضوع للتصوير (photogene) والجمالية (aestheticsim) والتركيب (syntax).

1- التأثيرات الخادعة (trick effects)

يمكن استخدام التقنية القديمة مثل المونتاج اليدوي أو التركيب الرقمي في عمليات مزج اكثر من صورة في صورة واحدة وبالتالي معنى مخالفا عن عرضها لوحدها.

2- وضعية الصورة (Pose)

وضعية الصورة المشهورة التي التقطها مصور البورتريه الشهير يوسف كارش لرئيس الوزراء الأسبق ونستون تشرشل أكبر مثال عن أوضاع الغضب والتوتر والغليان التي كان يعيشها تشرشل في تلك الفترة الحرجة التي مرت بالعالم. وقوة اللقطة في اختفاء السيجار الكوبي (رفيق تشرشل الدائم) منها.

3- الموضوع )tcejbo(

طاولة مكتب.. عليها البوم صور.. نوتات موسيقية.. قنينة زهور.. الزهور ذابلة.. علبة أدوية.. أشرطة مسجلة تبرز منها مقاطع من عناوينها سواح..قارئة الفنجان.. نبتدىء منين الحكاية.. الصورة مأخوذة بالأبيض والأسود مع اضاءة خافتة يغلب عليها القتامة. من كل الاشارات الموجودة وبعد تحليل الشفرات نعرف أننا في غرفة لفنان (النوتات الموسيقية + الأشرطة المسجلة), الجو قاتم يوحي بالكآبة والفراق (زهور ذابلة+ تقنية الاضاءة), عناوين الأشرطة توحي أنها لفنان عربي (اللغة)..البوم الصور يوحي باسترجاع الذكريات.. الأدوية توحي بالآلام والمعاناة التي كان يعاني منها الفنان.. من خلال معرفتنا بسياق المجتمع وثقافته نعرف أنها أغاني الفنان الراحل عبدالحليم حافظ; والصورة مأخوذة بمناسبة ذكرى وفاته.

4- جاذبية الموضوع للتصوير (photogene)

الصورة هنا نفسها رسالة ايحائية. تأتي هذه الايحائية من خلال قدرة الفنان المصور على خلق وابداع مايريد تصويره عن طريق استخدامه لعناصر الاضاءة والديكور وسرعة اللقطة والطباعة وغيرها من تقنيات التصوير الفوتوغرافي التي تساعد على ابراز جماليات الصورة الفوتوغرافية فالصورة بحد ذاتها عنصر جذب له دلالاته الايحائية.

5- الجمالية (aestheticism)

اذا كانت التقنية هي الأساس في البند السابق فان القواعد الفنية التي تساعد على صنع الايحائية هنا; وذلك من خلال مراعاة المصور الفوتوغرافي لقواعد الفن العامة في التكوين والخط والتوازن والتباين وغيرها من القواعد الأساسية في الفن.

6- التركيب (syntax)

عندما يجتمع عدد من الصور المتلاحقة لحدث ما فان تأثيرها الايحائي قد يكون أكبر. من أشهر الأمثلة هنا صورة حرق الراهب البوذي لنفسه حتى الموت في عام 1963 في مظاهرة ضد ماكان يعتقده البوذيون باضطهاد الحكومة الفيتنامية للبوذيين (انظر:Evans, 1978:175; Faber, 1978: 132 )

تشكيل برج ايفل الفرنسي وكيفية بنائه يمكن أن تؤثر على المشاهد -وخاصة الفرنسي الذي ينظر للبرج بصورة مختلفة عن غيره- من حيث البناء يمثل التقدم دائما كقيمة فنية وهنا تمثل اللوحة بناء الانسان.

اللون مقابل الأبيض والأسود:

من القضايا المثيرة للجدل في عالم التصوير وقوة اللوحة والمعاني الايحائية التي التي تعمقها هي استخدام الألوان أو عرضها بالأبيض والأسود. يرى كوبر (Kober) أن الصورة الملونة تحمل كمية كبيرة من المعلومات يمكن أن تفقد عند استخدام الأبيض و الأسود فقط 1995: 233) لكن ميلي (Milli) يعتقد أن الصورة الملونة تحتاج الى سرعة أبطأ عادة من تللك المأخوذة بالأبيض والأسود:

(cited in Schuneman, 1972:86) الا أن حديث ميلي لايعتد به كثيرا الآن بمعنى أنه قديم نسبيا (2791); فهذه المشكلة قد تم التغلب عليها مع اختراع أفلام ذات حساسية عالية تصل الى (1600 ISO) وبالتالي لم تعد عائقا.

لكن يمكن القول أن على من يصور بالألوان عليه أن يعرف أثر الألوان ومعانيها في الصورة ولايأتي اختياره للألوان اعتباطا.

أخذ أكثر من لون أساسي في الصورة قد يشتت النظر, كذلك فان تصوير الخلفية مشوشة (out of focus) قد لايكون مناسبا, لابد أن يكون ]تصوير الخلفية[ محايدا في الألوان, ان صندوقا أحمر اللون أو ورقة صفراء تجذب العين سواء اذا كانت الخلفية مشوشة (out of focus) أو محددة المعال (Keen, 1995:140)

من جانبه يضيف هلسمان نقطة أخرى عند استخدامنا للألوان, فيرى أنه يلتقط الصورة ملونة عندما يعتقد أنها تضيف شيئا للقصة المصورة, فبعض الأجزاء عندما تكون حمراء, زرقاء أو خضراء, فانها تضيف بعدا آخر لمضمون الصورة (cited in Schuneman, op.cit:86)

كذلك فان استخدام الألوان مقابل الأبيض والأسود يعتمد على موضوع الصورة. ذلك أن بعض الصور تحتاج الى أن تكون ملونة بينما البعض منها من الأفضل أن تكون بالأبيض والأسود. فموضوع مثل الفقر مثلا من الصعب تصويره كموضوع مأساوي بالألوان. لأن هذا الموضوع سيتحول الى صورة جمالية والسبب يكمن في جاذبية الصورة الملونة. بينما معظم صور المناظر الطبيعية تكون زاهية بالألوان لأنها مواضيع غنية باللون حالها حال موضوعات مثل عروض الأزياء والمسرح والعروض الموسيقية الاستعراضية (ibid:87)

يمكن القول أن على المصور أن يتأكد ويعرف متى يستخدم الألوان أو يصور بالأبيض والأسود ما دامت لديه الامكانات لذلك. كما تبقى رؤية المصور الفوتوغرافي والرسالة التي يود أن يوصلها الى من يشاهد أعماله هي الفيصل في هذا الموضوع بعد تعرفه بالطبع من مزايا و عيوب الأوان أو الأبيض والأسود.

الأسطورة والأيديولوجيا في الصورة الفوتوغرافية:

الاسطورة -حسب بارث- هي طريقة ثقافية للتفكير في شيء ما. فاذا كانت الايحائية هي المرحلة الثانية من قراءتنا للاشارة, فان الاسطورة هي المرحلة الأخيرة من المعنى الثاني للمدلول (انظر شكل: 6). وبالتالي فان الأساطير هي رؤية الانسان في مكان ما للعالم. فهي تمثل <<الثقافات البدائية, السلفية أو أنماط التفكير ما قبل المنطقية... والتي تمتد جذورها في الماضي البعيد وفي اللاوعي الجماعي>> (غيرو, 1984: 133).

ورغم أن المجتمعات الحديثة تشير الى العقلانية (الشكلانية على الأقل) التي تسير عليها الفئات البشرية وتفكير مابعد الحداثة, الا أن العلم الحديث يؤكد عكس ذلك. فنظريات علم النفس الاجتماعي تشير الى أن الانسان -كفرد وجماعة- في تصرفاته ومعتقداته لاينفعل للأشياء ولكن لعلامات الأشياء. فاختيارات الانسان التي تلبس ملبس العقلانية في ظاهرها تخضع لعلامات ذات أصول أسطورية (المرجع السابق: 134). فمائدة فرنسية بدون نبيذ تشكل صدمة للفرنسي كون شرب الخمر فعلا جماعيا قسريا للشعب الفرنسي على سبيل المثال.

ان المجتمع يسمي من لايؤمن بالخمرة مريضا أو عاجزا أو فاسدا; ولا يسعى المجتمع الى فهمه (فهما فكريا ومكانيا). وبالمقابل فمن يعاقر الخمرة يعطى شهادة حسن سلوك; لأن معرفة الشرب أو التعاطي هي تقنية وطنية تقيم الفرنسي, وتبين قدرته على التجلية, وتظهر مدى مراقبته لذاته ومدى مخالطته للناس (المرجع السابق: 135).

في حين تخيل وجود زجاجة نبيذ على مائدة عربية, لاشك أن الصورة تصدم المشاهد العربي لأن معاقرة الخمر في مجتمعه تعطى شهادة سوء السلوك; رغم قدم وجودة النبيذ العربي في الجزيرة العربية. لكن بعد مجيء الاسلام وتحريمه للخمر ترسخت أسطورة جديدة زرعها الاسلام عن معاقرة الخمر.

علم الأساطير اذن يساعدنا على قراءة الرسائل المصورة والمكتوبة عبر المعاني الايحائية التي تحملها. رؤية مجتمع معين أو مجموعة بشرية معينة حول الحياة والموت, الله والانسان, الخير والشر, الذكورة والأنوثة ...الخ كلها تساعدنا على فهم مانرى أو نسمع أو نقرأ بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا على هذه الأساطير التاريخية والثقافية التي تشكلت في أذهاننا عبر الآف السنين.

صورة الجندي الفرنسي الأسود يقدم التحية للعلم الفرنسي يدلل-حسب بارث- على <<استعمارية فرنسا>>. لايمكن تفسير الجندي الأسود يخدم تحت السلطة الفرنسية بدون ربط الصورة بالاستعمار افرنسي وتاريخها الطويل في افريقيا. فالتاريخ والسياسة عاملان أساسيان لتفسير الرسالة المصورة.

الناس-حسب ستيورات هول –(Hall) الذين يشتركون في ثقافة واحدة تتكون لهم <<خارطة ذهنية واحدة>> وبالتالي يشتركون في تفسيرهم للرسائل المصورة ومن الصعب على من هم خارج هذه الخارطة فهم هذه الرسائل المصورة

(19 :1997 ,Hall) في نقده لنموذج سوسيير السميوطيقي, يرى هول (Hall) أن سويير أعطى اهتماما كبيرا لعنصرين فقط من عناصر الاشارة وهي الدال والمدلول. لكنه أهمل كيفية تكون العلاقة بين هذين العنصرين; هذه العلاقة أسماها هول المرجع . (Reference) وبالتالي نجد أن هول يتفق مع بييرز في تركيز الثاني على العلاقة بين الاشارة والموضوع فيما أسماه المرجعيات .(Reference) كما أن الاثنين يشتركان مع بارث في أهمية البيئة المحيطة (contect) والثقافة المشتركة لفهم المعاني الايحائية للاشارات.

حركة الجسم و انطباعات الوجه و الايماءات (Gestures) , الخ كلها عناصر تساعد الباحث أو القارىء لتحليل الشفرات الثقافية وبالتالي القراءات الايديولوجية أو الاسطورية (1981 ,Hall توسان, 2000: 27). وتعرف الابعاد الايديولوجية عن طريق أفكار ومصالح واهتمامات جماعة أو مجموعة من الناس في مجتمع معين. نجد ذلك واضحا في الصور الصحفية أو الصور التلفزيونية الاعلامية أكثر من الصورة الفوتوغرافية الفنية والتي تعبر عن المعاني الايحائية بطرق غير مباشرة عادة (انظر الحسني, 1999: 95- 104).

اذا كان تركيز بارث )sehtraB( على الأسطورة في تفسيره للرسائل المصورة فان هول (Hall) يوجه التفكير اكثر الى المعاني والخصائص الأيديولوجية لهذه الرسائل (انظر100 :1986,Wollacott). وبالتالي فان المعاني الايدلوجية تختلف حتى في المجتمع نفسه. أو يمكن أن يكون الأب له اتجاه ايديولوجي مختلف عن الابن وبالتالي يفسر مايرى حسب اتجاهاته. كذلك فان من يملك القوة دائما يحاول فرض سيطرة المعاني الايديولوجية التي يريدها من خلال الوسائل الاعلامية عادة.

عندما تفلت الصورة من سلطة الرقيب فانها قد تحاول تشكيل أساطير وايديولوجيات جديدة غير مسبوقة بعيدا عن تللك الصور التي كرستها الوسائل الاعلامية عبر سنوات طويلة. الجندي الأمريكي في العراق والضغوطات النفسية التي يتعرض لها يمكن تحويلها صورا فوتوغرافية فنية وبالتالي تبدأ صورة أخرى في التشكل غير الجندي الأمريكي المتفوق دائما.

الناس-حسب ستيورات هول –(Hall) الذين يشتركون في ثقافة واحدة تتكون لهم <<خارطة ذهنية واحدة>> وبالتالي يشتركون في تفسيرهم للرسائل المصورة ومن الصعب على من هم خارج هذه الخارطة فهم هذه الرسائل المصورة.

الاشارات في لوحة حياة البادية لخميس المحاربي هي كالتالي: تخطيط لامرأة, دلو, قطرات مائية, أعمدة, ظلال سوداء, قمر.

ففي هذه اللوحة من الصعب على البريطاني أو الصيني مثلا أن يتعرف على كنه الكائن البشري هنا كونه امرأة أو رجلا; لأن الصورة غير واضحة المعالم بداية فهي سلويت كما يطلق عليها تصويريا بمعنى التعبير عن المشهد بظلال سوداء. كما أن الوجه لاتتضح معالمه من خبراتنا للوجه البشري العادي والمكون من عينين, وأنف, وفم , وأذنين وانما نجد هنا خطا مستقيما لايعرفه القادم من ثقافة غير عمانية. هذا الخط هو البرقع العماني والذي يعتبر أحد العلامات المميزة في بعض مناطق السلطنة كالباطنة.

حركة الجسم و انطباعات الوجه و الايماءات (Guestures) , الخ كلها عناصر تساعد الباحث أو القارىء لتحليل الشفرات الثقافية وبالتالي القراءات الايديولوجية أو الاسطورية. وتعرف الابعاد الايديولوجية عن طريق أفكار ومصالح واهتمامات جماعة أو مجموعة من الناس في مجتمع معين. نجد ذلك واضحا في الصور التالية التي وفق المصور في رسم ملامحها عن حركة اليدين وطريقة جلب الماء من البئر (الطوي).

الصورة هنا نفسها رسالة ايحائية. تأتي هذه الايحائية من خلال قدرة الفنان المصور على خلق وابداع مايريد تصويره عن طريق استخدامه لعناصر الاضاءة والديكور الطبيعي وسرعة اللقطة والطباعة وغيرها من تقنيات التصوير الفوتوغرافي التي تساعد على ابراز جماليات الصورة الفوتوغرافية فالصورة بحد ذاتها عنصر جذب له دلالاته الايحائية. كما كان لوجود القمر-وهو علامة فنية رومانسية قديمة- والاضاءة المتدرجة من السواد الى الأزرق الغامق, ثم الفاتح ليصل الى البياض (المتفائل) الذي يشكل بداية نهارية كما هو في الثقافة العمانية والعديد من الثقافات العربية يعطي بعدا جماليا آخر لرؤية المصور عن حياة البادية في عمان.

خاتمة:

قدمت هذه الورقة تمهيدا نظريا مع بعض المحاولات التطبيقية حول قراءة الصورة الفوتوغرافية الفنية قراءة سميوطيقية. أشارت الورقة الى أهمية العلامات حولنا وبالتالي أهمية الاشتراك في خارطة علاماتية ذهنية واحدة سواء على مستوى القرى والمدن في المجتمعات البسيطة أو على مستوى الدول والمدنيات الكبرى. علم سميوطيقا الصورة الفوتوغرافية لم يحظ - كغيره من فروع السميوطيقا- بالاهتمام من قبل السميوطيقيين; من هنا تأتي أهمية دراسة هذا الموضوع بأسلوب منهجي يتيح المجال للتركيز على مهارات فنية عالية وفي نفس الوقت يؤدي الى أهداف مجتمعية واضحة وذات معاني ودلالات عميقة. تختلف المعاني في الصورة الى الواضحة المباشرة و الايحائية الماورائية التي يمكن أن تنتج عن طريق وضعية الالتقاط, والتأثيرات الخاصة, والمعايير الجمالية في اللوحة, والمشاهد المتعاقبة. كما أن نوعية الصورة من حيث الألوان ودلالالتها أو الأبيض والأسود وتدرجاته تقدم معاني ايحائية متغيرة. كانت -ولاتزال- القراءة السميوطيقية مجالا واسعا لتدارس ايدلوجيات وأساطير المجتمعات من خلال اللوحات الفوتوغرافية; وبالتالي مدى تشابه أو اختلاف هذه الأساطير باختلاف المجتمعات مما يعني اختلاف الرسائل الايحائية التي تتضمنها.

المراجع العربية:

الحسني, عبدالمنعم (1999), <<الصورة الصحفية بين الثقافة ... و الأيديولوجيا>> في مجلة نزوى, العدد التاسع عشر, يوليو, ص: 59-104

توسان, برنارد (2000) ما هي السيميولوجيا (ترجمة محمد نظيف), الطبعة الثانية,الدار البيضاء, بيروت: أفريقيا الشرق.

غيرو, بيار (1984) السيمياء (ترجمة أنطوان أبي زيد), الطبعة الأولى, بيروت, باريس: منشورات عويدات.

قاسم, س. (1992) <<مفاهيم السميوطيقا>>, في نصر أبوزيد وآخرون, سميوطيقا, القاهرة: دار الجيل.

المراجع الأجنبية:

Al-Hassani M. (1996) Pictures in the Omani Press: a Study of News Photograhps in the Daily Arabiuc Newspapers (MAThesis) Cardiff: University of Wales

Barthes R. (1987) Image Musis Text London: Fontana

Barthes Roland ([1957] 1987) : Mythologies. New York: Hall & Wang

Barthes Roland (1967). Elements of Semiology (trans. Annette Levelers & Colin Smith). London: Jobatgan Cape

Berlo D. (1960) The process of Communication: An Introduction to Theory and Practice San Francisco: Pinehart press

Bignell J. (1997) Media semiotics: An Introduction: Manchester University Press Manchester

Branston G. And Stafford R. (1996) The MediaStudent Book Londonand new york: Routledge

Chandler Daniel (1994): Semiotics for Beginners [ www document URL http://www.aber.ac.uk/media/Documents/S4B/semiotuc.html

1- مصطلح السميوطيقا يرجع الى المدرسة الأنجلوسكسونية والتي يمثلها تشارلز بييرز أما السميولوجيا فهي ترجع الى المدرسة الفرنسية وعلى رأسها رولان بارث.
* معالي الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الاعلام في سلطنة عمان

صور مرفقة

مشاركة الخبر

التعليق بالفيس بوك

التعليقات